الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن تبع هداه. أمَّا بعد:
فإنَّ ما يقوم به رئيس الوزراء الحالي لا يقال عنه أنَّه تعامل طائفي فقط بل كل العالم يعلم أنَّ مثل هذه الإجراءات إعلان صريح بأنَّ العراق جزء لا يتجزَّأ من إيران، وأنَّه تابع لها إداريا وعسكريا واقتصاديا، وأنَّ العراق عراق شيعي فارسي لا عربي، ولا حظَّ للشيعة العرب ولا للسنة ولا لبقية الطوائف والمذاهب فيه وهذا هو حديث الناس اليوم..
وكان المفروض بالسيد رئيس الوزراء أن يُحَسِّن سياسته ويكون لجميع العراقيين، وأن يكون انتماؤه للعراق وأهله، وأن يضرب على يد من يثير أي نعرة طائفية أو عرقية، وكان عليه أن لا يدخل توجهاته الطائفية في سياسة العراق.
وهذه النزعة بدأت منذ تقسيم الوقف إلى سني وشيعي، لأن الوقف إسلامي، والواقفون مسلمون من جميع الطائفتين، فلابد من كونه موحَّدا.
ثم أعقبَ ذلك تفجير المرقدين الشريفين تمهيدا لاتهام السُنَّة به وجعل ذلك وسيلة لحرق مساجدهم وقتل علمائهم.
والكل مقتنع أنَّ السُنَّة لا علاقة لهم بالأمر؛ لأنَّهم لو أرادوا ذلك لفعلوه قبل قرون أو سنين، وأنَّ التاريخ سيكشف من قام به في الوقت القريب العاجل إن شاء الله تعالى، وإخواننا الشيعة العرب المُعتدلون على ثقة أنَّ السُنَّة يُحِبُّون أئمة آل البيت وأنَّ كراهتهم كفرٌ ورِدَّة، وأنهم يصلُّون عليهم في كل ركعتين من صلاتهم، وأنَّ قبورهم هي قلوبهم قبل أن تكون في الأرض، ويعتزُّون بوجودهم بين أظهرهم، ولاسيما أهل سامراء، فقد قاموا بخدمتهم قرونا عديدة؛ لأنَّهم ينتمون إليهم ويعيشون ببركتهم، فتفجيرهما ليس من صالحهم، وقد جعلوا من أسواقهم وشوارعهم بل من بيوتهم مأوى لزائريهم.
فضَمُّ المرقدين إلى جهة دون أخرى ما هو إلاَّ تنفيذ لأوامر تأتي من خارج العراق، واعتداء صارخ على أهل سامراء أولاد علي الهادي والحسن العسكري -عليهما السلام-.
ثم أعقب ذلك إصدار قرار يحظر على أهل سامراء وغيرهم أن يتملكوا من أراضي سامراء حول المرقدين الشريفين إلى مساحة 200 متر -أي سامراء القديمة-، ما عدا الوقف الشيعي فقط وبشكل قسري.
وإنا لنسأل رئيس الوزراء الذي يدعي إتباع أئمة آل البيت هل يرضى هؤلاء الأئمة بذلك؟! وهل ثبت أنَّ أحدهم أخذ ملك غيره قسرا؟! وإنا على يقين لو أنهم كانوا على وجه الأرض لقاتلوا من يقوم بذلك؛ لأنَّهم يرون أنَّ مصلحة الغير مقدمة على مصلحتهم، والسيد المالكي يعرف ذلك جيدا إلاَّ أنه بعد أن كشف عن وَلَعه الطائفي المُفرِّق الممقوت أخذ يقوم بكل عمل يُفَرِّق هذه الأمة ويُمزِّق وحدة العراق، فهل فقه آل البيت يُبيح أخذ أملاك الناس دون رضاهم؟!
وقد سبق أن أرسلت رسالة إلى أهالي سامراء بأن يقوموا هم بإعادة بناء المرقدين الشريفين على نفقتهم الخاصة؛ اعتزازا بهما وردَّاً على من قام بهذا الفعل الشنيع؛ ولأنَّ فضل أهل البيت وافر عليهم، ومِمَّا يؤسف له أنَّه تدخَّلت جهة أخرى منعتهم من ذلك.
لذا فإنَّ (هذا القرار يُعَدُّ باطلا ومُحَرَّما شرعا)؛ لأنَّه تجاوز على حقوق الآخرين، وهو أمر يرفضه أئمة أهل البيت عليهم السلام.
ومن هنا أنصح من يقوم بأمثال هذه التصرفات المُفرِّقة - سواء رئيس الوزراء أم الآخرون من السياسيِّين - أن يُغيِّروا مسيرتهم الطائفية بسياسة عراقية شمولية لا يُشَمُّ منها رائحة التمايز الطائفي أو العرقي، فقد فشلت سياسة الكيل بمكيالين وسياسة النعرات المُفرِّقة طوال الأعوام السابقة، وأن يكفوا عن تلقي التوجيهات من خارج الحدود التي من شأنها محو هوية العراق ووجوده الإداري من لدن أهله.
وعلى الجميع أن يراقبوا الله تعالى ومبادئ آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين ضحُّوا بأنفسهم لأجل وحدة المسلمين والحِفاظ على قوَّتهم.
وعليهم أن ينظروا إلى المستقبل، وأنَّهم ليسوا مُخَلَّدين في الحكم أو المنصب أو في الدنيا، فالمناصب زائلة وقوتهم لا تقاوم قُوَّة الله تعالى.
وليخشوا ضربات الله تعالى، فإنَّ الظلم حبله قصير، والاعتداء والقهر لا يستمران، ولو أنهما استمرا أو طالا لبقي من ظَلَمَ سابقا، فأين مصيرهم؟! إنَّهم ذهبوا وبقيت مساوئهم واللعنة تطاردهم إلى يوم القيامة.
كما أوجِّه النصيحة للطرف الثاني أن لا يخطر ببالهم مثقال ذرة من الطائفية المُفرِّقة وليكن شعارهم (العراق فقط).
وعليهم أن لا يقوموا بأعمال استفزازية تجرح المشاعر ولاسيما الدينية منها، فكُلٌّ يعمل حسب اجتهاد فقهائه، وأن يأخذوا درسا من عدول النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هدم الكعبة وإعادتها على أُسس إبراهيم، مراعاةً لمشاعر قريش الذين دخلوا قريبا في الإسلام، فلم يوسِّعها؛ حفاظا على وحدة المسلمين آنذاك.
وبالتالي: فإنَّه يَحْرُمُ على من يملك دارا أو قطعة أرض حول الضريحين الشريفين أن يبيعهما لمن انخرط في سلك التوجه الطائفي؛ لأنَّ أيَّ وسيلة مُفرِّقة للأمة مُحَرَّمة شرعا؛ ولأنَّ الشريعة بمقاصدها فكل شيء يقصد به التفرقة فهو شر ولو كان السبب أو الوسيلة مباحة، فالشر وكل ما يوصِل إليه حرام، وما لا يتم الحرام إلاَّ به فهو حرام.
ويجب على أهل سامراء الاعتزاز بوجود أملاكهم حول هذين الضريحين الطاهرين الشريفين، ويحرم بيعها لمن هو ليس من أهل سامراء؛ لأنهم أولى من غيرهم بذلك؛ وليجعلوا منها مأوى للزائرين تأدية لجزءٍ يسير من فضل أجدادهم عليهم.
والله من وراء القصد.. وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم