الخميس، 8 نوفمبر 2012

نبذة عن تاريخ سامراء



نبذة موجزة عن تاريخ مدينة سامراء

التسمية والموقع
 سامراء مدينة عراقية موغلة في القدم ظهرت في الألف الثالث قبل الميلاد تقع إلى الجانب الشرقي من نهر دجلة وعلى بعد 120كم شمال بغداد وكان الموضع قد اختاره المعتصم بعد جولة تفحص خلالها أكثر من موضع ومكان على طول الخط الواصل بين بغداد وسامراء .
ولموضع سامراء خصائص حسنة ، كطيب الهواء واعتداله ، وذالك لوقوعها ضمن مناطق الإقليم الرابح، الأمر الذي كسب الموضع هذه الخصائص الحسنة .
سكن سامراء ثمانية من خلفاء بني العباس وهم : المعتصم ، والواثق ، والمنتصر، والمستعين ، والمعتز، والمهتدي ، والمعتمد.
أسباب انتقال المعتصم إلى سامراء
1ـ إبعاد الأتراك (العسكر ) عن أهل بغداد ، وذالك لخشونة أولائك وغلاظتهم.
2ـ توخي الأمن
3ـ سعة الفضاء
4ـ إحاطة الماء بالمدينة وكونه يعد سورا دفاعيا (نهر دجلة ، والنهر وان،...)
بناء سامراء
المرحلة الأولى : بناء مدينة (المشرحات) جنوب سامراء (12كم) من قبل هارون الرشيد.
المرحلة الثانية : بناء المعتصم لسامراء ، واستمر البناء يزداد طولا وعرضا حتى بلغ طول البناء 45 كم .
المرحلة الثالثة : فبدأت منذ عهد المتوكل وحتى عهد أخر الخلفاء ويتميز عصر المتوكل بتفرده بالعمارة وبناء مدينته المتولية المميزة شمال سامراء ,
المعالم المعمارية
1ـ المسجد الجامع : والذي يعرف بجامع الملوية وهو من أولى وجدات التصميم الأساسي للمدينة الإسلامية .
يضم الجامع 17 مدخلا من جهاته المختلفة ومساحة الجامع (38000) م2 وبذالك يعد اكبر جامع في العالم .
2ـ قصور سامراء : لقد ضرب المثل في قصور سامراء ، فعندما تذكر سامراء تذكر قصورها ومنها : الخاقاني ، والعمري ،والهروني ، والجوسق ، والجص ،وبلكوارا ، والجعفري ، والبديع ، والمختار ، والحير ، والساج ،  والكامل والمعشوق ، والاخمدي .
3ـ الروضة العسكرية : وهو ضريح الإمامين العسكريين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام .
في الواقع إن القبة شيدت في زمن متأخر ، لكن المقام كان نقطة ارتكاز تجمع حولها السامرائيون بعشائرهم المعروفة : البوعباس
 والبوباز
والبوبدري
 والبونيسان
والبودراج
والبوعظيم
والبواسود
والعشاعشة
وعشائر أخرى.
شوارع المدينة
كانت مدينة سامراء تضم 6 شوارع رئيسية هي : شارع أبي احمد ، وشارع الحير ، وبرغامش ،  والاسكر ، والحير الجديد ، الخليج .
قرى وضواحي سامراء : وهي (الدور ، القادسية ، القاطول ، الكرخ ، المتولية ، المحمدية ، المطيرة ، هاطري) فضلا عن قرى صغيرة مثل(الوزيرية ، وجبلتة ، والخصاصة العليا والسفلى).
سكان سامراء : ضمت مدينة سامراء عناصر عربية وأخرى عجمية وهي (العرب الهاشميون ، الأتراك ، أهل الذمة ، الموالي ، العامة ، الخرسانيون، الجند ، الجواري)
الأنشطة الاقتصادية
 ساهمت عوامل كثيرة في تطور مدينة سامراء الحضاري وهذه العوامل تكمن في الأنشطة الزراعية والصناعة والتجارة .فالزراعة: مصدر أساسي لفعاليات السكان ذالك لتوفر المياه والأرض الصالحة للزراعة ، فكانت النهر القاطول ، ودجلة ، ودجيل ، والنهر وان ، والاسحاقي
وشهدت سامراء من جراء ذالك إنتاج أنواع المحاصيل والخضراوات كالحبوب بأنواعها وبساتين الفاكهة . ليس هذا فحسب ، إنما اشتهرت مدينة سامراء بفاكهة متميزة مثل : التين الوزيري والعنب الصقلي والأحمر والليمون ، فضلا عن لنتاجها للرياحين والورود والبطيخ الشهير .
في جانب الصناعة قد أقيمت صناعة الزجاج والخزف والحصير والورق.
 إما التجارة فموقع سامراء ( الإستراتيجي) منحها أهمية تجارية فازدادت حركة التجارة وأصبح لها علاقات مع مختلف الأقاليم والبلدان مثل: بغداد و واسط وكسكر والبصرة والابلة والاحواز وسائر السواد .
كما كان لسامراء علاقات تجارية مع بلاد الروم والصين .
وكانت لأسواق المدينة دور في تنشيط مثل تلك الحركة كأسواق العطارين والصيارفة والصفارين والفراءين.

إقرأ المزيد

ملخص مجيء ألأمام علي ألهادي عليه السلام إلى سامراء


ملخص مجيء ألأمام علي ألهادي عليه السلام إلى سامراء

ولد ألأمام علي ألهادي سنة 212هجرية في ألمدينة ألمنورة من أمه أم ألفضل على أرجح ألأقوال، وعندما جاء والده إلى بغداد سنـــــــة 220 هجرية ،توفي في هذه ألسنة،ودفن في مقابر قريش عند قبر جده ألإمام موســـى ألكاظـــــم عليهم ألسلام ، وبعد وفاة أبيه ، حملت عائلته  إلى  قصر ألمعتصم ، فجعلت مع ألحرم وأجرى الاتفاق عليهم 1، وكان عمره عند وفاة أبيه 8 سنوات ، ومن ألمعلوم أن ألمأمون زوج بنته أم حبيب درة إلى ألإمام علي ألرضـــــا ،وبعد وفاته زوج أم ألفــــضل إلى أبنه ألأمام محـــــمد ألجـــــواد ، ولم تذكر ألمصادر أنه تزوج غيرها2، بقي رضي ألله تعالى عنه في بغداد ، وبعدها رحل إلى ألمدينة ، ولم يعرف سبب رحيله وكان لوالده وأجداده أملاكا بقرية صربا قرب ألمدينة ألمنورة ، وكان زمن ذهابه عندما بني ألمعتصـــــم مدينة ســـــــامراء ســــنة 220 هجرية ،لذلك أثر ألمدينة ألمشرفة على بغداد وسامراء وبقي في ألمدينة ، وكان يؤدبه أبو عبد ألله الجليدي وكان متقدما عند أهل ألمدينة في ألأدب والفهم3، بقي في قرية صربا مللك ألعلويين ، وكان والده ساكنا فيها ، وبعد اشتهاره بتقواه بين الناس بدأت الوشاية ضده بالكتب والرسائل ، واخبر ألمتوكل أن أموالا وسلاحا تحمل أليه4 وانه يطلب ألأمر لنفسه وفي منزله مالا وسلاحا5 وغير ذلك من ألتهم.

كان والي ألمدينة وأمير ألصلاة والحرب آنذاك عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد ألله بن ألعباس الملقب بريهة ، وكان هذا ألوالي هو ألذي يكتب إلى ألخليفة المتوكل يحرضه على الأمام علي ألهادي عليه ألسلام ، وهذا ما أكده كتاب ألخليفة ألمتوكل إلى ألأمام علي ألهادي عليه ألسلام ( أذا كان على ما ذكرت من جهالته بحقك  

1 تاريخ بغداد 3/265

2 سر السلسلة العلوية للبخاري /38 الإرشاد للشيخ المفيد /219 أصول الكافي 1/492 مجار الأنوار للخونساري 29/230 دوائر المعارف محمد مهدي الموسوي /38

3 إثبات الوصية 222 مسند الإمام علي الهادي عليه السلام /115 شفاء الغرام 2/221

4 الكافي 1/99

5 الإرشاد للمفيد /313

واستخفافه بقدرك وعندما قرفك به ونسبه إليك من الأمر الذي قد علم أمير المؤمنين براءتك منه وصدق نيتك في برك وقولك وانك لم تؤهل نفسك)6 من هذا يظهر أن الواشي به أمير المدينة ، وأوشى به أيضا السيد محمد ابن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه7،واعتبره منافسا له عند العلويين ، وبعد أن كثر النفاق والوشايات طلب المتوكل من سعيد الحاجب الذهاب إلى المدينة وتقصي الخبر ، فذهب سعيد وفتش دار الإمام علي الهادي عليه السلام فلم يجد فيه سلاحا ووجد كبسا فيه بدرة نقود مختوما بختم شجاع أم المتوكل وسيف بكنفه تحت الحصيرة فحملها سعيد الحاجب وجاء بهما إلى الخليفة المتوكل ، دعا المتوكل أمه  وعرض عليها الكيس فقالت نعم أنا أرسلته ، وفتح الكيس فوجد فيه عشرة ألاف دينار ، فزاد عليه خمسة ألاف دينار، وأمر سعيد الحاجب بالعودة إلى المدينة ، والاعتذار من الإمام علي الهادي عليه السلام على ماجرى عليه ،وبعد ذلك لم تنقطع كتب الوشاية به، مما جعل الخليفة أن يستدعي الإمام علي الهادي عليه السلام إلى سر من  رأى ،فدعا المتوكل يحيى بن هرثمة وقال له اختر معك مائتي رجل ممن تريد واخرجوا إلى الكوفة ،فخلفوا إثقالكم فيها واخرجوا إلى طريق البرية من المدينة فاحضروا علي بن محمد الرضا (عليه السلام) عندي مكرما مبجلا8،وأمر يحيى بن هرثمة أن يكون بإمرة  الإمام علي الهادي عليه السلام يرحلون برحله ويسيرون بسيره ،فالأمر في ذلك إليه ويطيعه في كل شيء9،ووجه مع هرثمة القائد العربي عتاب بن أبي العتاب، وحملهم كتابا منه إلى الإمام علي الهادي عليه السلام، بموجبه فصل عبد بن محمد العباسي وعين مكانه محمد أبو الفضل العباسي أميرا على المدينة 10،وكان تاريخ الكتاب جمادي الأخر سنة 234ونص الكتاب

6الارشاد للمفيد /333

7نور الأبصار للشبلنجي 165

8مسند الإمام علي الهادي للعطاردي/124بحار الانوار5/141

9كتاب الخليفة الإرشاد/333 الكافي 1/503

10كتاب الخليفة الإرشاد/333 الكافي 1/503






بسم الله الرحمن الرحيم

إما بعد فان أمير المؤمنين عارف بقدرك راع لقرابتك موجب لحقك مقدر من الأمور فيك وفي أهل بيتك ما يصلح الله به حالك وحالهم ويثبت به عزك وعزهم ويدخل الأمن عليك وعليهم يبتغى بذلك رضا ربه وأداء ما افترض عليه فيك وفيهم وقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد الله بن محمد عما كان يتولاه من الحرب والصلاة بمدينة الرسول صلى الله عليه واله إذ كان على ماذكرت من جهالته بحقك واستخفافه بقدرك وعندما قرفك به ونسبك اليه من الأمر الذي قد علم أمير المؤمنين براءتك منه وصدق نيتك في درك وقولك وانك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه وقد ولى أمير المؤمنين ماكان يلي من ذلك محمد ابن الفضل وأمره بااكرامك وتبجيلك والانتهاء إلى أمرك ورأييك والتقرب إلى الله والى أمير المؤمنين بذلك،وأمير المؤمنين مشتاق إليك يحب أحداث العهد بك والنضر إليك فان نشطت لزيارته والمقام قبله ماأحببت شخصه ومن اخترت من أهل بيتك ومواليك وحشمك على مهلة وطمأنينة ترحل أذا شئت وتنزل أذا شئت وتسير كيف شئت وان أحببت أن يكون يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين ومن معه من الجند يرحلون برحلك ويسيرون بسيرك فالأمر في ذلك إليك وقد تقدمنا إليه بطاعتك فاستخر الله حتى توافي أمير المؤمنين فما احد من إخوانه وولده وأهل بيته وخاصته ألطف منه منزلة ولا أحمد لهم اثرة ولاهو لهم انظر ولاعليهم أشفق وبهم ابر واليهم اسكن منه إليك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وكتب إبراهيم بن العباس في شهر جمادي الآخرة من سنة ثلاث وأربعين ومائتين .
 الخروج من المدينة المنورة



بعد إن أعطوه الكتاب ،طلب الإمام علي الهادي عليه السلام  ثلاثة أيام للتجهز للسفر11 ،هيئ نفسه ومن يريد أخذه معه من أهله ،ترك ولده الأكبر محمد بالمدينة وقدم عليه مشتدا وكذلك الحسن العسكري12،بعد ثلاثة أيام خرج متوجها إلى العراق ومعه عبد الله الهاشمي يودعه ،طلب منه إن لايخبر الخليفة عما صنع به ،فأجابه الإمام إني قد عفوت عنك13،سار وسار معه قوم من أهل المدينة منهم مودع ومنهم ذاهب معه14،وجرت له عدت كرامات في طريقه،عندما وصلو إلى بغداد قدم يحيى على إسحاق بن إبراهيم ألمصعبي وكان واليا على بغداد فخرج لإسحاق ومعه جملة من القادة فتلقوه عند موضع الياسرية15اذ نزل هناك،فرأى إسحاق تدفق الناس إليه واجتماعهم لرؤيته،فأقام إلى الليل ،ثم دخل بغداد وبقي فيها بعض تلك الليلة،ثم نقلا إلى سامراء



دخول سر من رأى

رحل من بغداد إلى سامراء،وعندما سمع الناس بمقدمه خرجوا لاستقباله عند الطرف الغربي من الجسر الذي كان يربط بين الضفتين من نهر دجلة ،وموقعه قرب قصر المعشوق جنوبا،ومن الجهة الشرقية شمال قصر الخلافة،وكانوا يقولون ويضجون قدم ابن الرضا من المدينة،وعبر على الجسر على شهري كبير تحته يسير عليه رقيقا،والناس بين يديه وخلفه وكان وزراء وكتاب وقادة الجيش في سامراء من ضمن من استقبل الإمام علي الهادي عليه السلام،حتى دخل دار خزيمة بن خازم،وكانت هذه الدار إلى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر الوزير،وتلقاه أصحاب المتوكل،ودخل على المتوكل فأعظمه وأكرمه،ثم انصرف إلى دار.              

11 تذكرة الخواص 359مروج الذهب1/17اثبات الوصية 135

12 المجدي للعمري 134

13 إثبات الوصية 335

14 إثبات الوصية 335

15 الياسرية وهي إحدى محلات بغداد في الجانب الغربي منها


أعدت له وأقام بسر من رأى16،دخل يحيى بن هرثمة إلى المتوكل،فسأله عن أبي الحسن فأخبره بحسن سيرته وسلامة طريقه وورعه وزهده،وقال للمتوكل فتشت داره فلم أجد غير المصاحف وكتب العلم،وان أهل المدينة خافوا عليه17،عندما رآه المتوكل عظمه وأجلسه جنبه وكان بارا به18،وسأله المتوكل ياأبا الحسن أأعليك دين ؟ قال نعم أربعة ألاف درهم فأعطاه إياه ورده إلى منزله19،كان من ألقاب الإمام علي الهادي عليه السلام،المتوكل،ابتاع أبو الحسن دار يعقوب بن دليل النصراني الواقع على شارع أبو احمد بن هارون الرشيد20 وهو من اكبر شوارع سامراء،توفي رحمه الله بنفس الدار ودفن فيها في رجب سنة 254 هجرية21 وصلى عليه أبو احمد بن هارون الرشيد.



16 إثبات الوصية 338   تذكرة الخواص 356

17 تذكرة الخواص 356

18 شذرات الذهب 2/183

19 المناقب ج 2/429

20 تاريخ بغداد 12/57

21 الطبري 9/ 518


إقرأ المزيد

سامراء شابة عمرها 8 الآف سنة


سامراء شابة عمرها 8 الآف سنة
ليس عجباً ان تقلد المدن الانسان وتتشبه به حتى يصل الشبه بينهما حداً يصعب معه التمييز، فهي تولد وتنمو وتكبر وتهرم، وقد تجدد شبابها وتستعيد عافيتها، وقد تموت وتغرق، وقد يذبل عودها حباً!! وغير هذا وذاك تلجأ أحياناً الى تغيير اسمها أو سكنها وتلجأ احياناً الى الهجرة وفي أحيان كثيرة تستبدل زينتها ومعالم شخصيتها وربما تضجر من متاعب الدنيا فتنـزل الى باطن الارض وتختفي الى الابد!
ذلك هو الذي يجعلنا نقف مشدوهين أمام بعض المدن، فلا نستطيع التعرف عليها، وقد ننكرها لأنها أصبحت أبعد ما يكون عن دائرة معلوماتنا.. وعن الذاكرة.
سامراء.. من بين قلة قليلة من الكائنات الحية، مهما اتسعت أو ضاقت او مهما جفاها الزمن أو واصلها فلا يمكن للعين وحاسة الشم ان تخطئها ليس فقط لأنها عائمة على بحيرة مغمورة بالشواهد التي لا تفتأ تكشف عن خبايا وأسرار جديدة، وانما لكونها كذلك عامرة بشواخص الآثار العملاقة التي لم تقدر مرارات الاحداث أن تنال منها على مر العصور.
ما بين ماضٍ يمتد 8 آلاف سنة، وبين حاضر ينبسط على 4504 كم2 من الحياة المزدحمة بصخب الحياة، وما بين تضاريس مستوطنة تعُد من أوائل المستوطنات البشرية في العالم ما زالت بقاياها وبقايا توابعها العباسية تحتل مئات الأميال المربعة من تزاحم الترف والحضارة والقصور والمآذن وبين مدينة قيل انها لسعتها (أوسع موقع آثاري في العالم) ما بين هذه (البيّنات) مجتمعة يصعب حشر الجسد الطويل العريض العميق الراهي في ثوب (الصوت الآخر) الرقيق القصير الشفاف الضيق!
حكاية اللعبة
السفر الى الموصل هو سفر الى وجهة الشمال، وسامراء نقطة عند طريق نينوى، على مبعدة 125كم شمال بغداد و50كم قبل تكريت من جهة الجنوب، وتقع بين محافظتي ديالى والانبار من ناحيتي الشرق والغرب وبين قضائي تكريت وبلد من ناحيتي الشمال والجنوب.
دجلة يقسم العاصمة الى يمين ويسار، كرخ ورصافة، والوصول الى سامراء يبدأ بالانطلاق من اليمين، من الكرخ، وتواصل المركبة مسارها الى مدينة المعتصم على مدى 125كم في جانب الكرخ الى يمين دجلة لا تحيد ولا تنحرف، وهكذا تعلن سامراء عن كرخيتها الصميمية، ثم فجأة، في لحظة مباغتة سريعة، تعبر المركبة النهر، فاذا المدينة تغير بطاقة سكنها وتصبح في لعبة جغرافية ماكرة، رصافية السكن يسارية الموقع، ولكن (السوامرة) لم يعترفوا بدرس الجغرافية الطبيعية لأن قلوبهم يمينية الهوى، كرخية العشق! حين غادر المعتصم بالله بن هارون الرشيد مملكة والده واتخذ سامراء عاصمة لملكه الجديد عام 836م، لم يكن معنياً بلعبة النهر واليمين واليسار فقد كان رأسه متعباً مما جنته يداه بعد اعتماده على الجنود الترك الذين عاثوا في الارض طغياناً، وبعد انحيازه لفلسفة المعتزلة وانتصاره لهم على حساب الآخرين ولهذا توجس الرجل خيفة مما آلت اليه اوضاع بغداد الداخلية فراح يبحث عن مكان أمين وآمن وأرسل عيونه يتقرون المواضع، بل كان يتقرى بنفسه حتى تم الاهتداء الى (دير) في ارض طيبة الهواء والتربة والماء وساوم ساكنيه على خمسة آلاف دينار فكان له الشراء. وبناء على ما اجمع عليه المؤرخون فان هذا المكان الذي قر عليه القرار اتسم بصفات اكثر اهمية للمعتصم من كونه طيب الهواء والتربة والماء، لأنه موقع حصين تكاد المياه تحيطه من جميع أطرافه مؤلفة خطاً دفاعياً عن المدينة الجديدة وخطاً لنقل البضائع والتجارة مع مدن العراق الأخرى، هذا زيادة على ارتفاع المكان الذي من شأنه مواجهة أخطار الفيضان.. وكان ذلك الدير في موقع يقال له (سامرا).. من غير همزة وعلى هذا الموقع قامت المدينة واتسعت ودامت حتى هذا اليوم.
حكاية الهمزة
تفيد المعلومات التاريخية بأن حواراً مبتسراً دار بين اصغر أبناء الرشيد وهو المعتصم بالله وبين كبار المسؤولين عن الدير
سأل الخليفة: ما اسم هذا الموضع؟
أجابوه: هذا الموضع يدعى (سامرا) ودوّر الخليفة هذه اللفظة في قاموس معرفته فلم يجد لها جذراً ولهذا عاد وسأل: وما معنى سامرا؟
فردوا عليه: تجدها يا مولانا الأمير في الكتب السالفة والامم الغابرة فأنها مدينة سام بن نوح.. ولم يكن الوقت سانحاً امام الخليفة ليحاور طويلاً لأن شغله الشاغل في تلك اللحظة، هو صورة مدينته المستقبلية وظلت سامراء من غير همزة في ذهن المعتصم وذهن التاريخ.
بعد1168 سنة على قيام هذه المدينة تطورت علوم اللغة والتأريخ والأسماء وصرنا نعرف بان سامراء ترجع الى عصر حلف (5000-4500ق.م) فيما عثر الدكتور أحمد سوسة على فخاريات تعود الى العصر الحجري الحديث وقرر بأن المدينة كانت مأهولة بالسكان منذ اكثر من 6 آلاف سنة ق.م.. وخلال هذا الزمن البعيد منحها الآشوريون اسم (سرمارتا) الرومان والسريان منحوها اسم (سومرا) وذهب جمع من المؤرخين واللغويين الى القول بأنها من اصل (سامي) قديم، وقد يكون اصلها (شامريا) أو (شامورة) وتعني الاولى (الله يحرس) فيما تعني الثانية (منـزل الحرس)، وقيل فيما قيل من أسمائها (سر من ري- سر من راءٍ- سراء- سامره) وشاعت بيننا باسم (سر من رأى- وساء من رأى) والاولى اختصار لوصف (سرور من رأى) كما يذكر الحموي اسمها عند بدء تأسيسها، والثاني هو وصف للمدينة بعد أن نال منها الخراب ما نال كما شاعت لدى البعض بأنها (زوراء المعتصم) حتى استقر الأمد عند سامراء وهو اسمها الرسمي في سجلات الحكومة والبطاقة التموينية!
حكاية التعارف
لحظة الاقتراب من المدينة يصار الى عملية تعارف اولية تأخذ هيأة مزارع على يمين النهر مع حي سكني واسع فيما تفترش يسار الشارع الرئيس صفوف طويلة من دكاكين الخضار والمرطبات والمواد الغذائية وعند رأس سامراء تقوم محطات وسدود ومنشآت لتوليد الكهرباء والتعرف بمناسيب المياه.
مركز المدينة وثقلها الحياتي يقدم نفسه عبر ذلك البناء الديني التراثي الفخم الذي تربو مساحته على 19 ألف م2 ويضم ضريحي الامامين علي الهادي وولده الحسن العسكري عليهما السلام الى جانب عدد من الاضرحة الطاهرة وسرداب الغيبة، وأهم ما يميز هذا المبنى قبابه ومنائره التي ترى من مسافات بعيدة جداً، وأميزُ هذه القباب هي القبة الذهبية التي يبلغ محيطها 68 متراً ارتفاعها 46 متراً وتحتوي على 72 ألف طابوقة ذهبية قد وصفت بانها من اكبر قباب الأئمة في العالم الاسلامي. حول هذا المبنى وعلى جدران صحنه الخارجية مباشرة قامت عشرات الدكاكين الخاصة بالملابس النسائية والرجالية ذات الزي القروي الى جانب دكاكين العطارين وباعة الفواكه الذين تفننوا في طريقة عرضهم وذلك باستعمال رفوف عمودية ترتفع الى بضعة أمتار تمنح المشهد جمالاً خاصاً ولا تؤثر في سعة الشارع. ومقابل هذه الدكاكين تزدحم المدينة بمئات المقاهي والمطاعم والاسواق الصغيرة والمحال التجارية والكماليات كما يزدحم الشارع المقابل للصحن الشريف بستوديوهات التصوير والمكتبات ودكاكين الاقمشة ومحال بيع السبح والهدايا والتحفيات بعدد كبير من الفنادق ويندر ان يخلو هذا المركز من الزحام لأنه ملتقى آلاف السياح والزوار الذين يقصدون المدينة وعتباتها المقدسة من ارجاء العراق وبلدان العالم، كما انه ملتقى الريف المحيط بسامراء حيث يقصد المدينة لنقل بضاعته أو تلبية احتياجاته القروية.
حكاية الرجل والمرأة
بل هي حكاية مجتمع يمتلك قدراً من الخصوصية ليس بدءاً من السامرائية المنتسبة الى جيل العباءة لانها تعيش في مجتمع محافظ جداً، ترتفع فيه الصلوات الخمس من عشرات الجوامع والمساجد. وفي مدينة لها قدسيتها الكريمة، ولكن ابتداء من المرأة التي تخبئ تحت عباءتها شهادة المعلمة والطبيبة والقانونية والمهندسة والموظفة والمثقفة ومن غير ان يشعرها ذلك بالتناقض ابداً حتى وهي تجمع على قدم المساواة بين مسؤوليات الام والطبخ والنفخ وبين اطلاعها على آخر ابتكارات الازياء وآخر صيحات الفن والأدب انها (المحافظة التقدمية) وليس من علاقات الجيران الحميمية وتكافلهم الاجتماعي عند اللزوم والحاجة والوفاة، ولكن ابتداء من شهامة السامرائي واعتزازه بالنفس وحبه المبالغ لمدينته حتى ليذهب ببعضهم الى الايمان بان سامراء مركز الكون وموطن الخليقة الاولى!
وبخلاف ذلك فانه يقبض في كف واحدة بين صفته العشائرية وبين انتسابه الى الحضارة طباعاً وسلوكاً وقبل ذلك فأن هذا المجتمع الصلب القوي الخشن اللين المتسامح الكريم يفاخر بسعة علاقاته مع العراقيين بحكم تجارته الواسعة، وبحكم مدينته الدينية التاريخية السياحية وأهم من ذلك فأنه شغول لا يعرف الكسل منذ انجابه احلى واشهر بطيخ الى توسعه نحو محاصيل استراتيجية لم يزرعها من قبل ليصبح اليوم منافساً فيها ومنذ محدودية دونماته الى 115 ألف دونم عامرة بشتى المحاصيل، الى براعته في التجارة الحرة ومقالع الحصو والرمل ومعامل الجص والبلوك والبلاستيك والراشي والقوالب الحديدية التي تؤلف مجتمعة مع معمل الادوية والحي الصناعي الكبير وجهاً حياً من وجوه اقتصاد المدينة. ثم.. وهو في غمرة انهماكه الزراعي والصناعي والتجاري لم يغفل حركة العمران، كما ظل حريصاً مهما كانت طبيعة عمله على ان يكون مالكاً لأرض زراعية بغض النظر عن حجمها لعلمه وتجربته وخبرته بانها الخير والبركة والثروة التي لا تنضب! أين الملوية والحير والأزقة القديمة وأين المتوكلية والعاشق والمعشوق؟
إقرأ المزيد

حارات وأزقة سامراء بين ذكريات الماضي . وآلام الحاضر . ومخاوف المستقبل


حارات وأزقة سامراء بين ذكريات الماضي . وآلام الحاضر . ومخاوف المستقبل
·      من مر إلى سامراء ووصل إلى مرقد الاماميبن العسكريين وسط المدينة القديمة هناك وتجول بالقرب منها فانه حتما سيرى الأسواق والحارات الشاخصة بآثارها التي أصبحت مع مرور الزمن أشبه بالأطلال  بسبب ظلم الطبيعة والبشر وهي تنظر إلى المارة وعينيها تصبو إليهم وكأنها تقول لهم حتى وان لم يسمع إحد صوتها فأنها صوت الماضي والحاضر والمستقبل وكنز الكنوز الذي لم يأتي بسهولة وهي تطلب ممن مر على أرضها إن يمشي رويدا خوفا من إن يؤذي هذه الأماكن الحية بألوانها وإشكالها حتى وان عبث بها العابثون.

جعفر العربي صاحب مكتبة لبيع الكتب في سوق المعتصم بدا وجهه شاحبا وهو ينظر إلى المارين في السوق واحدا تلو الآخر ويتذكر كيف كان السوق قبل أعوام ليس بالبعيدة عندما كانت أصوات دق القهوه ترتفع مع أصوات الباعة والمتجولين ورائحة الهيل تفوح مع البخور في سوق كل شبر فيه يحمل ذكرى وأموالا كانت تدرها المحال وتجار كانوا يعملون ليل نهار,كما يقول جعفر لكن اليوم ليس كل شي على ما يرام فكل شي تغير رجال امن ينتشرون أناس يرحلون ومحال مغلقه هذا ما آل إليه السوق

·     حواجز كونكريتية
وتعيش المنطقة أشبه بالحصار أو السجن كما يقول أبو احمد وهو احد سكان المنطقة وذالك بسبب الأبواب الحديدية والجدران الكونكريتية والعوارض حيث قطعت أوصال السوق ولم يعد بسهوله على الكثير من الناس الدخول والخروج منه واليه وذلك لدواعي أمنية حيث تنتشر الشرطة وتأخذ احتياطات أمنية لقرب السوق من الإمام علي الهادي عليه السلام كما إن الأبواب تغلق في وقت وتفتح في وقت ويتمنى أبو احمد إن تعود الحياة إلى السوق وان يعود الزائرين والسياح إلى التجوال في الأزقة والحارات القديمة كما كانت في السابق عندما كان يأتي الآلاف من زائري الأماميين ليجلسون معنا ويتجولون ويتبضعون الهدايا وكنا نستقبلهم بكل حفاوة وحب وأننا سنستقبلهم في كل وقت وزمان

·     تسمية السوق وتاريخه
وعندما تدخل إلى سوق المعتصم المعروف بسوق اليهود فستجد العديد من الرجال الكبار يجلسون في زوايا السوق يتبادلون أطراف الحديث عن المواضيع السياسية والحياة والأهل والعشائر وعندما تسألهم عن تاريخ السوق ونشأته فأنهم حتما يعرفون حتى ولو القليل فيقولون إن تاريخ السوق يعود إلى أكثر من 150 عام وكان مركزا للحجيج حيث يتجمع المؤمنون الذي يذهبون إلى الديار المقدسة فيه قبل أن يرتحلوا إلى مكة المكرمة وكان يعرف في ذلك الوقت بسوق الحجاج ويوم تلو يوم أصبح السوق مركز المدينة التجاري في ذلك الزمن حيث ينتشر أصحاب الحرف والنجارين والقماشين والبقالين وغيرهم من أصحاب المحال الكثيرة التي جعلته مركز جذب كبير ومع مرور الزمن جاء عدد من الأسر اليهودية إلى السوق وسكنت فيه وفتحت محال تجارية قبل أن يبيعوا ما لديهم ويرحلوا نحو القدس في القرن الماضي وبعد أن مر الزمن صار السوق وتغير ليجمع الحرفيين والرسامين ومحال بيع الهدايا والحاجات الأثرية والانتيكات إضافة إلى الكتب

·     أماكن شاخصة
ولا يخلو السوق من الأماكن الأثرية التي بقت لكن الزمن عبث فيها ولم يبقى منها سوى القليل فلمنازل القديمة لم يبقى منها سوى الجدران وبعض النقوش وغرف صغيرة والسقوف التي كانت تغطي السوق بأشكالها الهندسية لم يبقى منها سوى اثنين أما الشبابيك والتي تعرف في العراق بلشناشيل والأبواب الخشبية الضخمة فحالها حال السوق يائسة كان الزمن قد انتقم منها ويقول أبو خالد صاحب إحدى المنازل القديمة انه اضطر إلى ترميمها وأضيفت غرف أخرى إلى المنزل ليسكن فيه هو وعائلته في السابق أما الآن فهو حزين لأنه يفكر في بيع المنزل والرحيل إلى مكان آخر وذلك بسبب قدم المكان وعدم الاعتناء به أو المحافظة عليه من قبل الجهات المختصة مما جعله ينهار شيء فشيء ولم يعد أبو خالد قادرا على
الصمود أكثر في المنزل فكل شيء أصبح صعب عليه الدخول والخروج وغيرها من معوقات عليه وعلى ضيوفه

·     حلم الحماية
توقع الكثيرين من سكان سامراء ومعهم المهتمين بالآثار وأساتذة التأريخ أن يكون قرار إعلان سامراء إحدى محميات اليونسكو أي تكون ضمن قائمة المدن التاريخية الإسلامية أن المدينة سيتغير حالها من حال إلى حال حيث سيكون العمل والتأهيل والاستثمار واستقطاب السياح وفتح المرافق السياحية ويقول الأستاذ المساعد الدكتور قاسم حسن عباس أستاذ التاريخ في كلية التربية في سامراء إننا كنا نتأمل بل وطرنا فرحا عندما سمعنا بخبر إن سامراء ستكون على قائمة اليونسكو وإنها تحت قانون الرعاية العالمية ضمن التراث الإسلامي لكن لم يحدث أي شي يدل على التغير وكان للأسف حبرا على ورق ولم نجد أي فعل يثبت أو يضع هذا القرار حيز التنفيذ واليوم تتعرض المدينة لإزالة تراثها الفلكلوري المتمثل بحاراتها وشوارعها وأزقتها والتي مازال معظمها على تراثها القديم

·     محمية بلا حماية
  ويقول الدكتور قاسم أن سامراء تعد اكبر المدن التاريخية في العالم الإسلامي    لأننا لم نشهد في المدن التاريخية الكبرى بقايا شاخصة مثل سامراء
وأضاف إن سامراء التي كانت توضع في السابق على قائمة التشريفات لزيارة المسئولين للبلد حيث وصل مودي بي رئيس جمهورية مالي مع عبد السلام عارف آنذاك وكما وصل إلى سامراء نجم الدين اربي كان رئيس وزراء تركيا سابقا وجاك شيراك الرئيس الفرنسي السابق عندما كان يشغل منصب رئيس الوزراء وطلب من حاشيته تركه وهو على قمة مئذنة الملوية المعروفة لينظر إلى المدينة الجميلة من الأعلى كما زارها سامورا ماشيل رئيس جمهورية موزنبيق  إن الكثير يزورون سامراء من الشخصيات المهمة من اجل زيارة الإمامين والآثار لكن الآن لا نشاهد في  آثار المدينة سوى الإهمال وتعرضها إلى عوامل التعرية الطبيعية ولعدوان بعض الناس الذين يعيشون على هذه المهنة كما ان المدينة لم تعد مثل السابق فلا اهتمام ولا اعتناء وهذا مخالف للفض محمية

·     أمل بتغير
كما وأشار الدكتور قاسم أن أملنا كبير جدا بان تتم رعاية هذه المدينة الكبيرة والكبرى والتي تمتد إلى عصور سحيقة في التاريخ من اجل تطويرها للاستفادة منها لتدر أموالا للبلد لان سامراء مدينة زاخرة لكثير من مراكز الجذب الديني لوجود الإمامين العسكريين وما يمثله للسنة والشيعة إضافة إلى آثار المدينة الجاذبة التي يمكن أن تكون في وقت من الأوقات عنصر كسب للمدينة ولأهلها

·     صرخة أخيرة
وآخر ما نتمناه أن تكون هناك حملة دولية من اجل تطوير هذه الأزقة والحارات والآثار مثل ما موجود في الدول المجاورة وبالتعاون مع وزارة السياحة العراقية التي كنا نعول عليها الكثير ختم  الدكتور قاسم حسن كلامه لان الآثار في المدينة لن تبقى صامدة كثيرا بوجه الرياح العاتية .
إقرأ المزيد